فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل:
وقد يقوى هذا الشوق ويتجرد عن الصبر فيسمى قلقا وبذلك سماه صاحب المنازل واستشهد عليه بقوله تعالى حاكيا عن كليمه موسى عليه السلام وعجلت إليك ربي لترضى فكأنه فهم أن عجلته إنما حمله عليها القلق وهو تجريد الشوق للقائه وميعاده وظاهر الآية أن الحامل لموسى على العجلة هو طلب رضى ربه وأن رضاه في المبادرة إلى أوامره والعجلة إليها ولهذا احتج السلف بهذه الآية على أن الصلاة في أول الوقت أفضل سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يذكر ذلك قال إن رضى الرب في العجلة إلى أوامره ثم حده صاحب المنازل بأنه تجريد الشوق بإسقاط الصبر أي تخلصه من كل شائبة بحيث يسقط معه الصبر فإن قارنه اصطبار فهو شوق ثم قال وهو على ثلاث درجات الدرجة الأولى قلق يضيق الخلق ويبغض الخلق ويلذذ الموت يعني يضيق خلق صاحبه عن احتمال الأغيار فلا يبقى فيه اتساع لحملهم فضلا عن تقييدهم له وتعوقه بأنفاسهم ويبغض الخلق يعني لا شيء أبغض إلى صاحبه من اجتماعه بالخلق لما في ذلك من التنافر بين حاله وبين خلطتهم وحدثني بعض أقارب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال كان في بداية أمره يخرج أحيانا إلى الصحراء يخلو عن الناس لقوة ما يرد عليه فتبعته يوما.
فلما أصحر تنفس الصعداء ثم جعل يتمثل بقول الشاعر وهو لمجنون ليلى من قصيدته الطويلة:
وأخرج من بين البيوت لعلني ** أحدث عنك النفس بالسر خاليا

خاليا وصاحب هذه الحال إن لم يرده الله سبحانه إلى الخلق بتثبيت وقوة وإلا فإنه لا صبر له على مخالطتهم قوله ويلذذ الموت فإن صاحبه يرجو فيه لقاء محبوبه فإذا ذكر الموت التذ به كما يلتذ المسافر بتذكر قدومه على أهله وأحبابه.
فصل:
قال الدرجة الثانية قلق يغالب العقل ويخلي السمع ويطاول الطاقة أي يكاد يقهر العقل ويغلبه فهو والعقل تارة وتارة ولكن لما لم يصل إلى درجة الشهود لم يصطلمه فإن العقل لا يصطلمه إلا الشهود ولذلك قال يغالب ولم يقل يغلب وأما إخلاؤه السمع فهو يتضمن إخاءه من شيء وإخلاءه لشيء فيخليه من استماعه ذكر الغير ويخليه لاستماعه أوصاف المحبوب وذكره وحديثه وقد يقوى إلى أن يبعد بين قلب صاحبه وبين إدراك الحواس لانقهار الحس لسلطان القلق قوله ويطاول الطاقة يعني يصابرها ويقاومها فلا تقدر طاقة الاصطبار على دفعه ورده والله أعلم.
فصل:
قال الدرجة الثالثة قلق لا يرحم أبدا ولا يقبل أمدا ولا يبقى أحدا يريد أن هذا القلق له القهر والغلبة لأنه ربما كان عن شهود فإذا علق بالقلب لم يبق عليه حتى يلقيه في فناء الشهود.
ولا يقبل أمدا أي لا يقبل حدا ومقدارا يقف عنده وينقضي به كما ينقضي ذو الأمد فإنه حاكم غير محكوم عليه مالك للقلب غير مملوك له ولا يبقى أحدا أي يلقى صاحبه في الشهود الذي تفنى فيه الرسوم وتضمحل فلا يبقى معه على أحد رسمه حتى يفنيه والله أعلم.
فصل:
ثم يقوى هذا القلق ويتزايد حتى يورث القلب حالة شبيهة بشدة ظمأ.
الصادي الحران إلى الماء وهذه الحالة هي التي يسميها صاحب المنازل العطش واستشهد عليه بقوله تعالى عن الخليل {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} كأنه أخذ من إشارة الآية أنه لشدة عطشه إلى لقاء محبوبه لما رأى الكوكب قال هذا ربي فإن العطشان إذا رأى السراب ذكر به الماء فاشتد عطشه إليه وهذا ليس معنى الآية قطعا وإنما القوم مولعون بالإشارات وإلا فالآية قد قيل إنها على تقدير الاستفهام أي أهذا ربي وليس بشيء وقيل إنها على وجه إقامة الحجة على قومه فتصور بصورة الموافق ليكون أدعى إلى القبول ثم توسل بصورة الموافقة إلى إعلامهم بأنه لا يجوز أن يكون المعبود ناقصا آفلا فإن المعبود الحق لا يجوز أن يغيب عن عابديه وخلقه ويأفل عنهم فإن ذلك مناف لربوبيته لهم أو أنه انتقل من مراتب الاستدلال على المعبود حتى أوصله الدليل إلى الذي فطر السماوات والأرض فوجه إليه وجهه حنيفا موحدا مقبلا عليه معرضا عما سواه والله سبحانه أعلم.
فصل:
قال العطش كناية عن غلبة ولوع بمأمول الولوع بالشيء هو التعلق به بصفة المحبة مع أمل الوصول إليه وقيل في حد الولوع إنه كثرة ترداد القلب إلى الشيء المحبوب كما يقال فلان مولع بكذا وقد أولع به وقيل هو لزوم القلب للشيء فكأنه مثل أغرى به فهو مغرى قال وهو على ثلاث درجات الأولى عطش المريد إلى شاهد يرويه أو إشارة تشفيه أو عطفة تؤويه ولما كان المريد من أهل طلب الشواهد على الاعتبار ومثير العزمات وتعلق العباد بالأعمال وقوله شاهد يرويه يحتمل أنه من الرواية أي يرويه عمن أقامه له فيكون ذلك إشارة إلى شواهد العلم فهو شديد العطش إلى شواهد يرويها عن الصادقين من أهل السلوك يزداد بها تثبيتا وقوة بصيرة فإن المريد إذا تجددت له حالة أو حصل له وارد استوحش من تفرده بها فإذا قام عنده بمثلها شاهد حال لمريد آخر صادق قد سبقه إليها استأنس بها أعظم استئناس واستدل بشاهد ذلك المريد على صحة شاهده فلذلك يشتد عطشه إلى شاهد يرويه عن الصادقين ويحتمل أنه من الري فيكون مضموم الياء يعني إذا حصل له الري بذلك الشاهد ونزل على قلبه منزلة الماء البارد من الظمآن فقرر عنده صحته وأنه شاهد حق ويرجح هذا ذكر الري مع العطش ويرجح الأول ذكره لفظة الري في قوله أو عطفة ترويه والأمر قريب.
قوله أو إشارة تشفيه أي تشفي قلبه من علة عارضة فإذا وردت عليه الإشارة إما من صادق مثله أو من عالم أو من شيخ مسلك أو من آية فهمها أو عبرة ظفر بها اشتفى بها قلبه وهذا معلوم عند من له ذوق قوله أو إلى عطفة ترويه أي عطفة من جانب محبوبه عليه تروي لهيب عطشه وتبرده ولا شيء أروى لقلب المحب من عطف محبوبه عليه ولا شيء أشد للهيبه وحريقه من إعراض محبوبه عنه ولهذا كان عذاب أهل النار باحتجاب ربهم عنهم أشد عليهم مما هم فيه من العذاب الجسماني كما أن نعيم أهل الجنة برؤيته تعالى وسماع خطابه ورضاه وإقباله أعظم من نعيمهم الجسماني.
فصل:
قال الدرجة الثانية عطش السالك إلى أجل يطويه ويوم يريه ما يغنيه ومنزل يستريح فيه إما أن يريد بالأجل الذي يطويه انقضاء مدة سجن القلب والروح في البدن حتى تصل إلى ربها وتلقاه وهذا هو الظاهر من كلامه وأما أن يريد به عطشه إلى مقصود السلوك من وصوله إلى محبوبه وقرة عينه وجمعيته عليه فهو يطوي مراحل سيره حثيثا ليصل إلى هذا المقصود وحينئذ يعود إليه سير آخر وراء هذا السير مع عدم مفارقته له فإنه إنما وصل به إليه فلو فارقه لانقطع انقطاعا كليا ولكن يبقى له سير وهو مستلق على ظهره يسبق به السعاة ويرجح هذا المعنى الثاني أن المريد الصادق لا يحب الخروج من الدنيا حتى يقضى نحبه لعلمه أنه لا سبيل إلى انقضائه في غير هذه الدار فإذا علم أنه قد.
قضى نحبه أحب حينئذ الخروج منها ولكن لا يقضي نحبه حتى يوفى ما عليه والناس ثلاثة موف قد قضى نحبه ومنتظر للوفاء ساع فيه حريص عليه ومفرط في وفاء ما عليه من الحقوق والله المستعان قوله ويوم يريه ما يغنيه أي يوم يرى فيه ما يغني قلبه ويسد فاقته من قرة عينه بمطلوبه ومراده قوله ومنزل يستريح فيه أي منزل من منازل السير ومقام من مقامات الصادقين يستريح فيه قلبه ويسكن فيه ويخلص من تلون الأحوال عليه فإن المقامات منازل والأحوال مراحل فصاحب الحال شديد العطش إلى مقام يستقر فيه وينزله.
فصل:
قال الدرجة الثالثة عطش المحب إلى جلوة ما دونها سحاب علة ولا يغطيها حجاب تفرقة ولا يعرج دونها على انتظار عطش المحب فوق عطش المريد والسالك وإن كان كل محب سالكا وكل مريد سالكا وكل سالك ومريد محب لكن خص المحب بهذا الاسم لتمكنه من المحبة ورسوخ قلبه فيها والمريد والسالك يشمران إلى علمه الذي رفع له ووصل إليه ولذلك جعل الأولى لأهل البدايات والثانية للمتوسطين والثالثة لأهل النهايات وقوله عطش المحب إلى جلوة ما دونها سحاب يريد بالجلوة استجلاء القلب لصفات المحبوب ومحاسنه وانكشافها له.
وقوله ما دونها سحاب أي لا يسترها شيء من سحب النفس وهي سحب العلل التي هي بقايا في العبد تحول بينه وبين استجلائه صفات محبوبه وتعوقه عنه فمهما بقي في العبد بقية من نفسه فهي سحاب وغيم ساتر على قدره فكثيف ورقيق وبين بين قوله ولا يغطيها حجاب الحجاب في لسان الطائفة النفس وصفاتها وأحكامها وهم مجمعون على أن النفس من أعظم الحجب بل هي الحجاب الأكبر فإن حجاب الرب سبحانه عن ذاته هو النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وحجابه من عبده هو نفسه وظلمته فلو كشف عنه هذا الحجاب لوصل إلى ربه والوصول عند القوم عبارة عن ارتفاع هذا الحجاب وزواله فالحجاب الذي يشتد على المحب ويشتد عطشه إلى زواله هو حجاب الظلمة والنفس وهو الحجاب الذي بينه وبين الله وأما الحجاب الذي بين الله وبين خلقه وهو حجاب النور فلا سبيل إلى كشفه في هذا العالم البتة ولا يطمع في ذلك بشر ولم يكلم الله بشرا إلا من وراء حجاب وهذا الحجاب كاشف للعبد موصل له إلى مقام الإحسان الذي يعبر عنه القوم بمقام المشاهدة والأول ساتر للعبد قاطع له حائل بينه وبين الإحسان وحقيقة الإيمان والتفرقة كلها عندهم حجب إلا تفرقة في الله وبالله ولله فإنها لا تحجب العبد عنه بل توصله إليه فلذلك قال ولا يغطيها حجاب تفرقة فإن التفرقة إنما تكون حجابا إذا كانت بالنفس ولها قوله ولا يعرج دونها على انتظار يعني لا يعرج المشاهد لم يشاهده على.
انتظار أمر آخر وراءها كما يعرج المحب المحجوب على انتظار زوال حجابه والمراد أنه حصل له مشهد تام لا يبقى له بعده ما ينتظره وهذا عندي وهم بين فإنه لا غاية لجمال المحبوب وكمال صفاته بحيث يصل المشاهد لها إلى حالة لا ينتظر معها شيئا آخر هذا وسنبين إن شاء الله تعالى أنه لا يصح لأحد في الدنيا مقام المشاهدة أبدا وأن هذا من أوهام القوم وترهاتهم وإنما غاية ما يصل إليه العبد الشواهد ولا سبيل لأحد قط في الدنيا إلى مشاهدة الحق سبحانه وإنما وصوله إلى شواهد الحق ومن زعم غير هذا فلغلبة الوهم عليه وحسن ظنه بترهات القوم وخيالاتهم ولله در الشبلي حيث سئل عن المشاهدة فقال من أين لنا مشاهدةالحق لنا شاهد الحق هذا وهو صاحب الشطحات المعروفة وهذا من أحسن كلامه وأبينه 3وأراد بشاهد الحق ما يغلب على القلوب الصادقة العارفة الصافية من ذكره ومحبته وإجلاله وتعظيمه وتوقيره بحيث يكون ذلك حاضرا فيها مشهودا لها غير غائب عنها ومن أشار إلى غير ذلك فمغرور مخدوع وغايته أن يكون في خفارة صدقة وضعف تمييزه وعلمه ولا ريب أن القلوب تشاهد أنوارا بحسب استعدادها تقوى تارة وتضعف أخرى ولكن تلك أنوار الأعمال وإلإيمان والمعارف وصفاء البواطن والأسرار لا أنها أنوار الذات المقدسة فإن الجبل لم يثبت لليسير من ذلك النور حتى تدكدك وخر الكليم صعقا مع عدم تجليه له فما الظن بغيره فإياك ثم إياك وترهات القوم وخيالاتهم وأوهامهم فإنها عند العارفين أعظم من حجاب النفس وأحكامها فإن المحجوب بنفسه معترف بأنه في ذلك الحجاب.
وصاحب هذه الخيالات والأوهام يرى أن الحقيقة قد تجلت له أنوارها ولم يحصل ذلك لموسى بن عمران كليم الرحمن فحجاب هؤلاء أغلظ بلا شك من حجاب اولئك ولا يقر لنا بهذا إلا عارف قد أشرق في باطنه نور السنة المحمدية فرأى ما الناس فيه وما أعز ذلك في الدنيا وما أغر به بين الخلق وبالله المستعان.
فالصادقون في أنوار معارفهم وعباداتهم وأحوالهم ليس إلا وأنوار ذات الرب تبارك وتعالى وراء ذلك كله وهذا الموضع من مقاطع الطريق ولله كم زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وحارت فيه أوهام ونجا منه صادق البصيرة تام المعرفة علمه متصل بمشكاة النبوة وبالله التوفيق. اهـ.

.تفسير الآيات [8- 9]:

قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه أنه لابد من الفتنة، وحذر من كفر، وبشر من صبر، قال عاطفًا على {ولقد فتنا} مشيرًا إلى تعظيم حرمة الوالد حيث جعلها في سياق تعظيم الخالق، وإلى أنها أعظم فتنة: {ووصينا} على ما لنا من العظمة {الإنسان} أي الذي أعناه على ذلك بأن جعلناه على الأنس بأشكاله لاسيما من أحسن إليه، فكيف بأعز الخلق عليه، وذلك فتنة له {بوالديه}.
ولما كان التقدير: فقلنا له: افعل بهما {حسنًا} أي فعلًا ذا حسن من برهما وعطف عليهما، عطف عليه قوله: {وإن جاهداك} أي فعلًا معك فعل المجاهد مع من يجاهده فاستفرغا مجهودهما في معالجتك {لتشرك} وترك مظهر العظمة للنص على المقصود فقال: {بي} ونبهه على طلب البرهان في الأصول إشارة إلى خطر المقام لعظم المرام، فقال استعمالًا للعدل، مشيرًا بنفي العلم إلى انتفاء العلوم: {ما ليس لك به علم} أصلًا بأنه يستحق الشركة فإن من عبد ما لم يعلم استحقاقه للعبادة فهو كافر {فلا تطعهما} فإنه لا طاعة لمخلوق- وإن عظم- في معصية الخالق، وهذا موجب لئلا يقع من أحد شرك أصلًا، فإنه لا ريب أصلًا في أنه لا شبهة تقوم على أن غيره تعالى يستحق الإلهية، فكيف بدليل يوجب علمًا، والمقصود من سياق الكلام إظهار النصفة والتنبيه على النصيحة، ليكون أدعى إلى القبول؛ ثم علل ذلك بقوله: {إليّ مرجعكم} أي جميعًا: من آمن ومن أشرك بالحشر يوم القيامة؛ ثم سبب عنه قوله: {فأنبئكم} أي أخبركم إخبارًا عظيمًا مستقصى بليغًا {بما كنتم} أي برغبتكم {تعملون} أي فقفوا عند حدودي، واتركوا ما تزينه لكم شهواتكم، واحذروا مجازاتي على قليل ذلك وكثيره، عبر سبحانه بالسبب الذي هو الإنباء لأنه لا مثنوية فيه عن المسبب الذي هو الجزاء، مطلقًا للعبارة، وتهديدًا بليغًا على وجه الإشارة، وطوى ذكره لأنه قد يدخله العفو، وهذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أسلم وكان بارًا بأمه، فحلفت: لا تأكل ولا تشرب حتى يرجع عن دينه أو تموت فيعير بها ويقال قاتل أمه، فمكثت يومين بلياليهما فقال: ياأماه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني فكلي، وإن شئت فلا تأكلي! فلما أيست منه أكلت وشربت- وأصل القصة في الترمذي.
ولما كان التقدير: فالذين أشركوا وعملوا السيئات لندخلنهم في المفسدين، ولكنه طواه لدلالة السياق عليه، عطف عليه زيادة في الحث على الإحسان إلى الوالدين قوله: {والذين آمنوا وعملوا} في السراء والضراء {الصالحات}.
ولما كان الصالح في الغالب سيىء الحال في الدنيا ناقص الحظ منها، فكان عدوه ينكر أن يحسن حاله أشد إنكار، أكد قوله: {لندخلنهم} أي بوعد لا خلف فيه {في الصالحين} وناهيك به من مدخل، فإنه من أبلغ صفات المؤمنين. اهـ.